سورة يوسف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {إِذ قالوا} يعني إِخوة يوسف. {لَيُوسُفُ وأخوه} يعنون ابن يامين. وإِنما قيل له: ابن يامين، لأن أمه ماتت نفساء. ويامين بمعنى الوجع، وكان أخاه لأمه وأبيه. والباقون إِخوته لأبيه دون أمه.
فأما العصبة، فقال الزجاج: هي في اللغة الجماعة الذين أمرهم واحد يتابع بعضهم بعضاً في الفعل، ويتعصب بعضهم لبعض.
وللمفسرين في العصبة ستة أقوال:
أحدها: أنها ما كان أكثر من عشرة، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنها ما بين العشرة إِلى الأربعين، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال قتادة. والثالث: أنها ستة أو سبعة، قاله سعيد بن جبير. والرابع: أنها من عشرة إِلى خمسة عشر، قاله مجاهد. والخامس: الجماعة، قاله ابن زيد، وابن قتيبة، والزجاج. والسادس: عشرة، قاله مقاتل. وقال الفراء: العصبة عشرة فما زاد.
قوله تعالى: {إِن أبانا لفي ضلال مين} فيه ثلاثة اقوال:
أحدها: لفي خَطَأٍ من رأيه، قاله ابن زيد. والثاني: في شَقَاءٍ، قاله مقاتل؛ والمراد به عناء الدنيا. والثالث: لفي ضلال عن طريق الصواب الذي يقتضي تعديل المحبة بيننا، لأن نفعنا له أعم. قال الزجاج: ولو نسبوه إِلى الضلال في الدين كانوا كفاراً، إِنما أرادوا: إِنه قدَّم ابنين صغيرين علينا في المحبة ونحن جماعة نفعنا أكثر.


قوله تعالى: {اقتلوا يوسف} قال أبو علي: قرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي: {مبينٌ اقتلوا} بضم التنوين، لأن تحريكه يلزم لالتقاء السكانين، فحركوه بالضم ليُتبعوا الضمة الضمة، كما قالوا: {مدٌ} و{ظُلُمات}. وقرأ أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، بكسر التنوين، فلم يتبعوا الضمة كما قالوا. {مدَّ} {ظُلُمات}. قال المفسرون: وهذا قولهم بينهم {أو اطرحوه أرضاً} قال الزجاج: نصب {أرضاً} على إِسقاط في، وأفضى الفعل إِليها؛ والمعنى: أو اطرحوه أرضاً يبعد بها عن أبيه. وقال غيره: أرضاً تأكله فيها السباع.
قوله تعالى: {يخلُ لكم وجه أبيكم} أي: يفرغ لكم من الشغل بيوسف. {وتكونوا من بعده} أي: من بعد يوسف. {قوماً صالحين} فيه قولان: أحدهما: صالحين بالتوبة من بعد قتله، قاله ابن عباس.
والثاني: يصلح حالكم عند أبيكم، قاله مقاتل. وفي قصتهم نكتة عجيبة، وهو أنهم عزموا على التوبة قبل الذنب، وكذلك المؤمن لا ينسى التوبة وإِن كان مرتكباً للخطايا.


قوله تعالى: {قال قائل منهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، ومقاتل. والثاني: أنه شمعون، قاله مجاهد. والثالث: روبيل، قاله قتادة، وابن إِسحاق. فأما غيابة الجب، فقال أبو عبيدة: كل شيء غيَّب عنك شيئاً فهو غيابة، والجب: الرَّكية التي لم تطو. وقال الزجاج: الغيابة: كل ما غاب عنك، أو غيَّب شيئاً عنك، قال المنخِّل:
فإنْ أنا يَوْماً غيَّبَتْني غَيَابَتي *** فسِيروا بِسَيْري في العشيرة والأهْلِ
والجب: البئر التي لم تطو؛ سميت جباً من أجل أنها قُطعت قطْعاً، ولم يحدث فيها غير القطع من طي وما أشبهه. وقال ابن عباس: {في غيابة الجب} أي: في ظلماته. وقال الحسن: في قعره. وقرأ نافع: {غيابات الجب} فجعل كل منه غيابة. وروى خارجة عن نافع: {غيَّابات} بتشديد الياء. وقرأ الحسن، وقتادة، ومجاهد: {غيبة الجب} بغير ألف مع إِسكان الياء. وأين كان هذا الجب، فيه قولان:
أحدهما: بأرض الأردن، قاله وهب. وقال مقاتل: هو بأرض الأردن على ثلاث فراسخ من منزل يعقوب. والثاني: ببيت المقدس، قاله قتادة.
قوله تعالى: {يلتقطه بعض السيارة} قال ابن عباس: يأخذه بعض من يسير. {إِن كنتم فاعلين} أي: إِن أضمرتم له ما تريدون. وأكثر القراء قرؤوا {يلتقطه} بالياء. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن أبي عبلة بالتاء. قال الزجاج: وجميع النحويين يجيزون ذلك، لأن بعض السيارة سيارة، فكأنه قال: تلتقطه سيارة بعض السيارة. وقال ابن الأنباري: من قرأ بالتاء، فقد أنَّث فعل بعض، وبعض مذكر، وإِنما فعل ذلك حملاً على المعنى، إِذ التأويل: تلتقطه السيارة، قال الشاعر:
رأت مَرَّ السِّنِينَ أَخَذْنَ مني *** كما أخَذَ السِّرارُ مِنَ الهِلاَلِ
أراد: رأت السنين، وقال الآخر:
طُولُ الليالي أَسْرَعتْ في نَقْضي *** طَوَيْنَ طُوِلي وَطَوَيْنَ عَرْضِي
أراد: الليالي، أسرعت، وقال جرير:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ *** سُورُ المَدِينَةِ والْجِبَالُ الخُشَّعُ
أراد: تواضعت المدينة، وقال الآخر:
وتشْرَقُ بالْقَوْلِ الَّذي قد أَذَعْتُهُ *** كما شَرقتْ صدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
أراد: كما شرقت القناة.
قال المفسرون: فلما عزم القوم على كيد يوسف، قالوا لأبيه: {مالك لا تأمنّا} قرأ الجماعة {تأمنا} بفتح الميم وإِدغام النون الأولى في الثانية والإِشارة إِلى إِعراب النون المدغمة بالضم؛ قال مكي: لأن الأصل تأمننا ثم أدغمت النون الأولى، وبقي الإِشمام يدل على ضمة النون الأولى. والإِشمام: هو ضم شفتيك من غير صوت يُسمع، فهو بعد الإِدغام وقبل فتحه النون الثانية. وابن كيسان يسمي الإِشمام الإِشارة، ويسمى الرَّوم إِشماماً؛ والرَّوْم: صوت ضعيف يُسمع خفياً. وقرأ أبو جعفر {تأمنّا} بفتح النون من غير إِشمام إِلى إِعراب المدغم. وقرأ الحسن {مَالَكَ لا تأمُنّا} بضم الميم.
وقرأ ابن مقسم {تأمننا} بنونين على الأصل، والمعنى: مالك لا تأمنا على يوسف فترسله معنا، فانه قد كبر ولا يعلم شيئاً من أمر المعاش {وإِنا له لناصحون} فيما أشرنا به عليك؛ {أرسله معنا غداً} إِلى الصحراء. وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وذلك أنهم قالوا له: أرسله معنا، فقال إِني لَيَحْزُنُني أن تذهبوا به، فقالوا: مالك لا تأمنا.
قوله تعالى: {نرتع ونلعب} قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو {نرتع ونلعب} بالنون فيهما، والعين ساكنه؛ وافقهم زيد عن يعقوب في {نرتع} فحسب.
وفي معنى {نرتع} ثلاثة أقوال:
أحدها: نَلْهُ، قاله الضحاك. والثاني: نَسْعَ، قاله قتادة. والثالث: نأكل؛ يقال: رتعت الإِبل: إِذا رعت، وأرتعتها: إِذا تركتها ترعى. قال الشاعر:
وَحْبِيبٍ لي إِذَا لاَقَيْتُهُ *** وإِذَا يَخْلُوا لَهُ لَحْمِي رَتَعْ
أي: أكله، هذا قول ابن الأنباري، وابن قتيبة. وقرأ عاصم، وحمزة والكسائي: {يرتع ويلعب} بالياء فيهما وجزْم العين والباء، يعنون {يوسف}. وقرأ نافع: {نرتعِ} بكسر العين من {نرتع} من غير بلوغ إِلى الياء. قال ابن قتيبة: ومعناها: نتحارس، ويرعى بعضنا بعضاً، أي: يحفظ؛ ومنه يقال: رعاك الله، أي: حفظك. وقد رويت عن ابن كثير أيضاً {نرتعي} باثبات ياء بعد العين في الوصل والوقف. وقرأ أنس، وأبو رجاء {نُرتِعْ} بنون مرفوعة وكسر التاء وسكون العين، و{نلعبْ} بالنون. قال أبو عبيدة: أي: نرتع إِبلنا.
فأما قوله: {ونلعب} فقال ابن عباس: نلهو.
فإن قيل: كيف لم ينكر عليهم يعقوب ذِكر اللعب؟
فالجواب: من وجهين. أحدهما: أنهم لم يكونوا حينئذ أنبياء، قاله أبو عمرو بن العلاء. والثاني: أنهم عَنَوْا مباح اللعب، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {إِني ليحزنني أن تذهبوا به} أي: يحزنني ذهابكم به، لأنه يفارقني فلا أراه. {وأخاف أن يأكلَهُ الذئب} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: {الذئب} بالهمز في الثلاثة المواضع. وقرأ الكسائي، وأبو جعفر، وشيبة بغير همز. قال أبو علي: {الذئب} مهموز في الأصل. يقال: تذاءَبَتِ الريح: إِذا جاءت من كل جهة كما يأتي الذئب.
وفي علة تخصيص الذئب بالذكر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه رأى في منامة أن الذئب شد على يوسف، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن أرضهم كانت كثيرة الذئاب، قاله مقاتل.
والثالث: أنه خافهم عليه فكنى بذكر الذئب، قاله الماوردي.
قوله تعالى: {وأنتم عنه غافلون} فيه قولان:
أحدهما: غافلون في اللعب. والثاني: مشتغلون برعيتكم.
قوله تعالى: {لئن أكله الذئب ونحن عُصْبَةٌ} أي: جماعة نرى الذئب قد قصده ولا نرد عنه {إِنا إِذاً لخاسرون} أي: عاجزون. قال ابن الأنباري: ومن قرأ {عصبةً} بالنصب، فتقديره: ونحن نجتمع عصبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8